التعبُّد بالأمر الإلهي:
فقد سأل أحدهُم الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن علة مناسك الحج لا سيّما لمس الحجر الأسود والطواف حول الكعبة الشريفة فأجاب عليه السلام: “هذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه…”.
إذن من أسباب أمر الله بالحج تعبّد الناس بأمر الله تعالى الذي يعني طاعة الله
|
19 |
|
من دون معرفة السبب المباشر للفعل بل انطلاقاً من الاعتقاد التام بحكمة الله تعالى وغناه المطلق.
2ـ التخلص من الذنوب:
فعن الإمام الرضا عليه السلام: “إنّما أمر بالحج لعلة الوفادة إلى الله عز وجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف العبد تائباً مما مضى، مستأنفاً لما يستقبل”، وقد مرَّ الكلام عن التوبة.
3ـ نبذ الأنانية:
فعن الإمام الرضا عليه السلام: “إنما أمر بالحج لعلة الوفادة إلى الله عز وجل… مع ما فيه من.. حظر النفس عن اللذات”.
ففي الحج اللباس واحد للغني والفقير، الرئيس والمرؤوس، العالم والجاهل، والرؤوس خالية من التيجان والأكاليل وغيرها، ولا زينة تميز
|
20 |
|
البعض عن الآخر، ففي المظهر الناس سواء، وأراد الله تعالى أن يكون الداخل الإنساني كذلك فلا يرى الإنسان ذاته متميزة عن الآخرين بالمناصب والمظاهر وغير ذلك، وفي ذلك حصلت قصة معبِّرة مع طبيب مشهور أفاض الله عليه بنعمة العلم والمال لكنه كان متكبّراً على الآخرين يجد في ذاته ما لا يجده في غيره، ولم يردع تكبّره رؤيته للمشاهد المشرِّفة حينما قدم حاجاً، إذ بقي يتكبَّر على من أحاط به من الحجاج المؤمنين، وفي المزدلفة ضيَّع رفاقه، وبقي يومين ضائعاً شريداً، ينظر إلى نفسه تارة وإلى الآخرين أخرى، لا أحد منهم يعرفه فالمشهد واحد الكل من الناس بثياب واحد متواضعة هو وغيره، وبعد مضي يومين وجد رفاقه ليقولوا له: الحمد لله لقد وجدناك.
فأجابهم: كلا الحمد لله لقد وجدت نفسي وعرفتها بعد جهل بها.
|
21 |
|
وبعدها أصبح إنساناً متواضعاً لأنّ الحج علمه كيف يحظر النفس عن الأنانية.
4ـ ليشهدوا منافع لهم:
ومنافع الحج كثيرة منها:
أ ـ التفقّه في الدين:
ففي الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام حول فلسفة تشريع الحج “مع ما فيه من التفقه”.
فينبغي للحاج أن يتعامل مع هذا الموسم المبارك كمدرسة يتعلَّم فيها تعاليم دينه وتفاصيل شريعته، فالحج من دون تفقّه لا يحقق الهدف الإلهي يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “لا خير في عبادة ليس فيها تفقُّه”.
ب ـ انتشار الهدى:
ففي الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام حول تشريع الحج: “مع ما فيه من التفقه ونقل
|
22 |
|
أخبار الأئمة عليهم السلام إلى كل صقعِ، فينتشر بذلك الهدى بين الناس“.
ونشر فضائل أهل البيت عليهم السلام في الحج من الأعمال التي خطط لها ونفذها أهل العصمة عليهم السلام فعن الإمام الصادق عليه السلام: “قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى”.
وعلق الإمام القائد آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظلّه) على هذه الرواية قائلاً: “وهذه الرواية لم يقف عندها من بحث في حياة الإمام الباقر عليه السلام وغفلوا عما فيها من دلالات كبيرة، لقد خلّف الإمام 800 درهم، وأوصى أن يخصّص جزء منها لمن يندبه في منى. ونَدْبُ الإمام في منى له معنى كبير، انه عملية إحياء ذلك المصدر الذي كان يشع دائماً بالتوعية والإشارة وخلق روح الحماس والمقاومة.
|
23 |
|
واختيار منى بالذات يعني مواصلة العمل في وسط تمركز الوافدين من كل أرجاء العالم الإسلامي خلال فترة الاستقرار الوحيدة في موسم الحج، فكل مناسك الحج يمر بها الحاج وهو في حركة دائبة إلا في منى حيث يبيت ليلتين أو ثلاث، فيتوفر لديه الوقت الكافي لكي يسمع ويطّلع“.
ج ـ وحدة المسلمين وقوتهم:
ففي مؤتمر الحج الكبير يعيش المسلمون حالة الوحدة ويشعرون بقوتهم لتكون الوحدة والقوة منطلقاً لإنهاء تسلط الأعداء عليهم.
يقول الإمام الخميني (قدس سرّه): “إن هذا البيت المعظّم وضع للناس، ومن أجل قيام الناس ونهضتهم الشاملة، وكذلك ليشهدوا منافع لهم، وأي منفعة أعظم وأسمى من قطع أيدي جبابرة العالم وطغاته وإنهاء تسلطهم على البلدان العظيمة”.