على من تجب حجة الإسلام ؟
تجب حَجَّةُ الإسلام مرّة واحدة فقط في العمر على كلّ من اجتمعت فيه الشروط التالية :
1. البلوغ .
2. العقل .
3. الحرية .
4. الإستطاعة .
الأول : البلوغ :
يتحقق البلوغ بإكمال الصبي السنة الخامسة عشرة من عمره و دخوله في السادسة عشرة ، أو ظهور علائم الرجولية فيه ، و هي خروج المني ، أو نبات الشعر الخشن على عانته 1، و بإكمال البنت التاسعة من عمرها و دخولها في سِن العاشرة ، و تكون المحاسبة بالسنين القمرية 2.
الأحكام :
· لا يجب الحج على الصبي و الصبيّة و إن كانا مراهِقَين 3 ، حتى لو توفّرت لديهما جميع شروط الإستطاعة إلى الحج عدا البلوغ .
· يستحب الحج لغير البالغ المميّز 4 ، و لو حجّ من هو واجد لجميع الشروط سوى البلوغ صحّ حجه على الأقوى ، لكن لا يجزي عن حجة الإسلام ، و تجب عليه بعد توفّر الشروط جميعها .
· إذا حجّ غير البالغ بنية الاستحباب لاعتقاده بعدم بلوغه و بعد إتمامه لمناسك الحج تبيّن له أنه كان بالغا آنذاك ، فالأوجه إجزاؤه عن حجة الإسلام ، إذا لم يكن على وجه التقييد الحقيقي و إلا فلا يجزي عن حجة الإسلام ، لكن حجه صحيح على الأقوى .
· لو خرج غير البالغ من بلده و هو يريد الحج ، لكنّه بَلَغَ قبل وصوله إلى الميقات ، و كانت شروط وجوب حجة الإسلام متوفرة لديه ، وجبت عليه حجة الإسلام ، و عليه أن يُحْرِمَ لها .
· لا يشترط إذن الوالدين في الحج الواجب ، كما لا يجب الاستيذان منهما أيضا في الحج المندوب ، إلا إذا كان الحج المستحب مستلزماً للسفر الموجب لأذيتهما ، فيجب الإستيذان حينئذٍ و يبطل حجه بدونه .
الثاني : العقل :
المقصود من العقل هنا سلامة من يريد الحج من الجنون الدائم أو الإدواري 5 عرفاً ، و كونه مدركاً لما يجري حوله ، و أن تكون أفعاله و أقواله نابعة عن إرادته .
الأحكام :
· لا يجب الحج على غير العاقل كالمجنون الدائم أو ما يسمى بالإدواري ، و لا على فاقد الوعي كالمغمى عليه ، إذا استمرت حالة الجنون أو الإغماء فترة إمكان أداء مناسك الحج ، حتى لو توفّرت سائر شروط وجوبه .
· لا يصحّ حجّ السكران ـ رغم وجوبه عليه حال اجتماع سائر الشروط ـ إذا كان سكراناً حال إتيانه بأعمال الحج كلها ، بما فيها أركان الحج 6 ، أما إذا كان سكراناً في غير أركان الحج و أتى بمعظم الأعمال حال سلامة العقل ، صحّ حجّه على الأقوى .
· المغمى عليه لو إستمر إغماؤه فترة إمكان أداء مناسك الحج ، لا يجب عليه الحج حتى لو اجتمعت لديه سائر شروط وجوبه ، أما لو تمكّن من أداء أركان الحج وأدّى معظم أعماله ، فالأقوى صحة أعماله .
· ليس السفيه 7 في حكم المجنون ، فلو اجتمعت لديه شروط وجوب الحج وجبت عليه المبادرة إليه ، و على وليّه تولّي الإنفاق عليه من مال السفيه ، و لا فرق في ذلك بين حجة الإسلام الابتدائي و القضائي بسبب الإفساد ، أو حج النذر و نحوه ، إذا كان النذر سابقاً على الحَجْر 8 .
الثالث الحرية :
و معنى ذلك خلوّ من يريد الحج عن عبودية الرّق ، و كونه حُرّاً .
الأحكام :
· لا يجب الحج على المملوك ، عبداً كان أو أمةً ، حتى لو اجتمعت لديه سائر شروط وجوب الحج .
· يُستحب الحج على المملوك بإذن مولاه ، لكن لا يُحسب ذلك حجة الإسلام ، فلو إنعَتَقَ بعد ذلك و كان مستجمعاً للشروط ، وجب عليه الحج .
الرابع الإستطاعة :
و هي توفّر كلّ ما به يصبح الإنسان قادراً على الذهاب إلى بيت الله الحرام و سائر المشاعر المقدسة ، و ما بوجوده يتمكّن الإنسان من أداء مناسك الحج بصورة طبيعية و متعارفة ، و ما بوجوده ترتفع حاجته وحاجات من يعولهم بصورة اعتيادية خلال فترة الذهاب و الإياب ، و انعدام الموانع التي بوجودها يتعذّر أداء فريضة الحج بصورة طبيعية .
تفصيل القول في الإستطاعة :
تتحقق الإستطاعة بتوفّر الأمور التالية مجتمعة 9 خلال فترة الحج و هي :
أ. القدرة المالية على تحمّل تكاليف الحج .
ب. القدرة على تحمّل نفقة العائلة .
ت. القدرة البدنية على تحمل أعباء السفر و أداء مناسك الحج .
ث. خلوّ الطريق من الموانع التي تحول بين من يريد الحج و بين مكة المكرمة و المشاعر المقدسة .
ج. إتّساع الوقت للذهاب إلى مكة المكرمة و أداء مناسك الحج في أوقاتها المحددة .
القدرة المالية :
لا تتحقق الاستطاعة الماليّة إلاّ بمقدرة الإنسان على تحمّل جميع تكاليف السفر و المصاريف التي يحتاج إليها خلال فترة سفره إلى بيت الله الحرام و غيرها من المشاعر المقدسة ، و وجود ما يحتاج إليه من الوسائل اللازمة ، حسب ما يجب عليه من أقسام الحج ، بالكيفية المتعارفة ذهاباً و إياباً ، بما في ذلك المواصلات و السكن و الغذاء و الذبيحة ـ أو أثمانها ـ و الضرائب و غيرها .
تفصيل القول :
· الملاك في الاستطاعة المالية وجود ما يمكن صرفه في الحج و لا فرق في ذلك بين الأراضي و البيوت و البساتين أو النقود و الأمتعة و غيرها .
· لا يعتبر في حصول الاستطاعة إمكان حمل ما يحتاج إليه الحاج خلال سفر الحج معه ، بل يكفي توفّره في مكان الحاجة إليه و إمكان تحصيله بالشراء مثلاً .
· توفّر وسائط النقل التي تناسب حال الحاج وشأنه لمن يحتاج إلى ذلك شرط في تحقق الاستطاعة ، فمن لا يتمكن من السفر إلى مكة المكرمة و المشاعر المقدسة إلاّ بركوب السيارة أو الطائرة أو ما شابه ذلك ، لا تتحقق استطاعته للحج إلاّ بتوفّرها ، و من يقدر على قطع المسافة ما بينه و بين مكة المكرمة من دون ركوب السيارة أو الطائرة من دون حرج ، تتحقق استطاعته بدون المركب .
· تحدّد تكاليف السفر تحديداً عرفياً حسب المسافة بين وطن الحاج أو مكانه الفعلي و بين مكة المكرمة و المشاعر ذهابا و إيابا ، و حسب مكانته الاجتماعية و شأنه و ظروفه الخاصة ، و حسب حالته الجسمية من السلامة و المرض ، و القوة و الضعف ، و حسب ما يجب عليه من أقسام الحج ، و حسب احتياجاته خلال فترة السفر .
· من له مال و لكنّه لجهله بتكاليف الحج لا يعرف هل أن ذلك المال يفي بتكاليف الحج أم لا ، يجب عليه الفحص و السؤال في ذلك ، كما تجب محاسبة المال على من لا يعرف مقدار ما عنده من المال .
· تجب محاسبة التكاليف من المكان الفعلي للإنسان ، لا من بلده و وطنه ، فلو حصلت الإستطاعة للعراقي مثلاً و هو في الشام فعليه محاسبة التكاليف من الشام إلى مكة المكرمة و المشاعر المقدسة ، لا من العراق .
· المديون الذي له مال بمقدار دينه أو أكثر من ذلك لكن الزائد على الدين لا يكون وافياً بتكاليف الحج لا يجب عليه الحج لعدم استطاعته .
· لا تتحقق استطاعة من أبيح له مال يفي بتكاليف الحج و يتمكّن من صرفه في الحج ، و لا يجب الحج عليه في هذه الصورة ، لكنه لو قَبل هذا العَرض وجب عليه الحج .
· الذي يريد الإقامة ببلدٍ غير وطنه أو غير مكان إقامته الفعلية بعد إتمام مناسك الحج ، عليه محاسبة التكاليف إلى ذلك المكان ، فلو كان ذلك المكان مثلاً مكة المكرمة ، فلا تكون لعودته تكاليف .
· لا يشترط في تحقق الاستطاعة المالية وجود أعيان الوسائل و الأمتعة و الأدوات التي يحتاج إليها الحاج في سفر الحج بل يكفي وجود ثمنها أو ما يمكن تبديله بها .
حكم تحصيل الاستطاعة :
· لا يجب على الإنسان تحصيل الاستطاعة المالية بمضاعفة السعي و الاكتساب ، و لا بتوفير المال بالتقشف في المعيشة ، لكن لو اجتمع لديه المال الوافي بتكاليف الحج بهذه الصورة ، عُدّ مستطيعاً و وجب عليه الحج .
· لا يجب تحصيل الاستطاعة ببيع ما يحتاج إليه من ضروريات الحياة و أوّليَّاتها الضرورية مثل بيت السكنى و محل العمل و أدواته ، و وسائل البيت و الأمتعة المنزلية ، لكن يجب بيع ما زاد عن الحاجة إذا توقفت الاستطاعة على ذلك .
· يجب بيع ما انقضى زمن الحاجة إليه ، إذا توقفت الاستطاعة على بيعه ، كحليّ النساء الزائدة عن مقدار حاجتهن ، كما لو جاوزت أعمارهن سنّ التزيّن بها مثلاً .
· يجب بيع ما زاد عن الحاجة من الأملاك و الأثاث و الأمتعة و صرفه في الحج ، و تُحدّد الحاجة حسب ما يراه العُرف ، و حسب المكانة و الشأن الاجتماعي للمُكَلَّف .
· يجب بيع ما زاد عن الحاجة بما هو دون القيمة إذا توقف الحج على ذلك ، ما لم يكن في ذلك حرج .
· لا يجب قبول الهدية الوافية بتكاليف الحج ، كما لا يجب قبول خدمة أو عمل يتقاضى بسببه أُجرة تفي بتكاليف الحج ، حتى لو كانت تلك الخدمة مما تليق بالإنسان .
الاستطاعة البذليّة :
· تتحقق الاستطاعة المالية ببذل المال الوافي بتكاليف الحج لغير المستطيع الذي لم يحج عن نفسه ، على أن يحج بها ، و يجب عليه القبول ما لم يكن في ذلك حرج ، و تُحسب حجّته هذه حجة الإسلام .
· قبول الهدية الوافية بتكاليف الحج غير واجبة ، لكن لو قَبِلَها و توفّرت لديه سائر الشروط ، وجب على القابل الحج لحصول الاستطاعة .
أما قبول الهدية الوافية بتكاليف الحج إذا كانت مشروطة بصرفها في الحج فهي واجبة ، إذا لم يكن في قبولها حرج أو منّة ، فيجب عليه الحج و يُحسب حجّه حجة الإسلام .
· يستقِرّ الحج في ذمة من بُذلت له تكاليف الحج لكنّه لم يقبل البذل ولم يحج لا لعذرٍ ، و تجب عليه المبادرة إلى الحج حتى لو لم يكن مستطيعاً .
· لا يجب قبول البذل على من لو حجّ تضرّر بسببه ، كالفقير الذي تتأثر معيشته بسبب الحج فيما بعد ، أو الموظف الذي يُحرم من الوظيفة ، و لا يتمكن من تحصيل وظيفة أخرى تناسبه ، أو المديون الذي لا يوفَّق لأداء دينه بسبب الحج ، أو من ستتلف بعض ممتلكاته بسبب غيابه لاحتياجها إلى مراقبته .
· إنما يجب قبول البذل إذا كان المال المبذول وافياً بتكاليف الحج حسب ما يجب على المبذول له من أنواع الحج باعتبار وطنه ، من تمتع أو قِران أو إفراد ، و تحسب التكاليف طبعاً من موطن الحاج ذهاباً و إياباً .
- 1. العانة : منبت الشعر فوق قُبُل المرأة و ذَكَر الرجل ، مجمع البحرين : 6/286 .
- 2. المراد بالسنة القمرية هي السنة التي تكون العبرة فيها المحاسبة بالأشهر القمرية ، و هي التي تبدأ بشهر محرم و تنتهي بشهر ذي الحجة .
- 3. المراهق : هو الغلام الذي قارب الحُلُم ، أي إقترب موعد بلوغه و لم يصل إلى مرحلة البلوغ .
- 4. المميّز : من إنتهى إلى سنّ التمييز ، و عرف ما يضرّه مما ينفعه .
- 5. المجنون الإدواري : هو من يطرأ عليه الجنون بين فترة و أخرى ، ثم تعود إليه حالته الطبيعية .
- 6. أركان الحج : هي الأعمال التي لا يتمّ الحج إلا بها و يبطل بتركها أو ترك واحدة منها عمداً ، و هي كما يلي :
أركان حج التمتع : النيّة بالعمرة إلى الحج ، و الإحرام لها ، و الطواف لها ، و السعي بين الصفا و المروة لها ، و النية للحج ، و الإحرام له ، و الوقوف بعرفات ، و الوقوف بالمشعر الحرام ، و طواف الحج ، و السعي له .
أركان حج القِران و الإفراد : النيّة للحج ، و الإحرام له ، و الوقوف بعرفات ، و الوقوف بالمشعر الحرام ، و طواف الحج ، و السعي له . - 7. السفيه : المبذّر ، و هو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة ، أو من ينخدع في المعاملة ( مجمع البحرين : 6/347 ) .
- 8. الحَجْر : مَنعُ السَفيه عن التصرّف في أمواله بسبب السَفَه ، و المَحْجُور هو الممنوع من التصرّف في ماله من قِبَل القاضي .
- 9. اجتماع شروط وجوب الحج شرط في تحقق الاستطاعة و وجوب الحج ، لكن يُستثنى من ذلك وجود القدرة البدنية ، فبوجودها مجتمعة مع سائر الشروط يجب الحج مباشرة على من توفّرت لديه تلك الشروط ، لكن في حال عدم توفّر القدرة البدنية خاصةً لا يسقط الحج بل على المريض الذي قد توفّرت لديه سائر الشروط الاستنابة و إرسال من يحجّ نيابة عنه ، إذا لم يكن شفاؤه مأمولاً .